قراءة في ديوان (نسيان يستيقظ) للشاعر: أ.د. عبد الله بن سليم الرشيد
محمد بن سعد الدكان
إلى شعرائنا المنسيين منهم أولاً!
الشعر ذاكرة الأمس، واليوم، والغد، في هذه الذاكرة تستودع الصور، والحقائق، ومنها تنطلق أصوات الماضي الذي نسيناه، والحاضر الذي نستيقظ فيه، والمستقبل الذي نؤمله!
تقف هذه القراءة على ديوان الشاعر الأستاذ الدكتور عبد الله بن سليم الرشيد. (نسيان يستيقظ)، الذي يشمل خمسين قصيدة، في مئة وثلاث وثلاثين ورقة، من الحجم المتوسط، وهي وقفة نقدية تحمل في تجاويفها شيئاً من أسئلة الفن، والجمال، والفكرة.
قبل ذلك، أشير إلى أن فكرة (الذاكرة) بوصفها مفردةً تجاور النسيان، هي وجه معرفي حقيقي، من وجوه النقد في اتجاهه الفلسفي، وقد ظهر لنا بول ريكور في مؤلفه الضخم (الذاكرة، التاريخ، النسيان) وهو يربط بين هذه الأوجه الثلاثة، بتناول يتسم بسمة التخالف بين الذاكرة والنسيان، فهما متضادان.
وقد أشار أبو البقاء الكفوي (ت: 1094ه) أن ” الذِّكْر بالكسر له معنيان: أحدهما التلفظ بالشيء، والثاني إحضاره في الذهن بحيث لا يغيب عنه وهو ضد النسيان”. ومن هنا، فإننا يمكن أن نقارب بين الذاكرة وبين ما تحويه هذه الذاكرة التي هي فضاء العملية الإبداعية على نحو عام، وهي فضاء الكلمة، والبيت، والقصيدة، والديوان، على نحو خاص.
ولئن كانت الرواية في رأي بعض نقادها هي: “ذاكرة للمستقبل”، فإن الشعر يمكن أن يكون ذاكرة الماضي والحاضر والمستقبل، إلا أن هذه الذاكرة قد تخون في بعض الأزمنة، فلا تحتفظ ببعض الأشياء التي نريدها كما هي في وقتها، كل ذلك يأتي بفعل الزمن، في بعض حالاته التي نعيشها، وتعيشنا، نؤثر فيها، وتؤثر فينا؛ ومن هنا فإن مجيء العنوان لهذه القراءة إنما هو تصور (لذاكرة الشعر) الواسعة، التي اتسعت للحياة بأجنحتها الثلاثة، الماضي، والحاضر، والمستقبل، وأما (تذكر الشاعر) فهو تصورٌ آخر لمادة هذا التذكر لدى هذا الشاعر، تلك هي مساحات التاريخ لديه، على اختلاف خطوط طولها، ودوائر عرضها، والمرجو أن تكون هذه القراءة وفيّةً لذاكرة الشعر، وحفيةً بتذكرِ الشاعر.