قراءة في ضوء: (قنديل حذام) لعبدالله الرشيد
د. سامي العجلان
«الشعر: تاريخ الروح».
سان جون بيرس
«نصبتُ الفِخاخ لأصطادَ عمري.. وعدتُ قريحاً كصيّاد ريح!».
عبدالله الرشيد
1- العنوان المرتبك.. الذات المنكفِئة:
(قنديل حذام) هو الديوان الخامس للشاعر عبدالله الرشيد، وقد صدر حديثاً عن نادي جدة الأدبي، يحمل هذا الديوان ملامح توجّه شعري جديد ستحاول هذه القراءة استجلاءه، ورصد أثره في تعميق الرؤية الشعرية للشاعر، أقول هذا لأن عبدالله الرشيد كان قد وصل في ديوانه الرابع (نسيان يستيقظ) إلى أقصى حدود التوظيف الجمالي للّغة الشعرية الغاضبة والجهيرة، وبسبب هذا فقد قدّرتُ في دراسة سابقة عن الشاعر أن يحمل الديوان القادم للشاعر نكهة مختلفة ونبرة مغايرة، ولم يُخيِّب الشاعر هذا الحدْس النقدي، فجاء هذا الديوان الهامس المختلف؛ بدءاً من عنوانه الساجي: (قنديل حذام).
لعل أول الأسئلة التي يُثيرها هذا العنوان للركّب هو: لماذا تحتاج حذام إلى أن تحمل قنديلاً؟ هل كف القوم عن الإصغاء إلى قولها؟ ثم عن أيّ شيء تبحث حذام في ضوء هذا القنديل؟ هل ستحذو حذو (ديوجين) اليائس، فتكتفي بحمل قنديلها تحت أشعة الشمس باحثةً وسط ركام البشرية عن إنسان؟ هل يحمل هذا العنوان شيئاً من التناقض في بنيته الدلالية بين وثوقية التصديق التراثي هذه الزوجة الحكيمة التي لم يملك زوجها: لُجيم بن صعب -وهو اللجيم الصعب- إلا الإقرار: بأن القول ما قالت حذام، وبين انكفائها المعاصر عن القول الجهير واكتفائها -بحسب صياغة العنوان- بالدلالة الصامتة الخجولة؛ عبر قنديلها الخافت المرتبك؟
يتجلى هذا الارتباك (الحذامي) أيضاً في عناوين القصائد داخل الديوان، وخذ مثلاً هذه العناوين: (مسك الخذلان، سّورة انكفاء، معذرة إلى الضوء، هاربٌ من الصوت، على نبض مرتبك، للهرب لون آخره، انطراح، إفضاء مرتبِك)، وليس هذا فحسب، بل إن أول عبارة تصافح نظرك في الديوان، وهي عبارة: الإهداء تترجم بوضوح عن هذا الارتباك الحائر المخذول: «إلى الذين أيقظوني للشعر.. ورقدوا».